عن أَبِي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَفّسَ عنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبَ الدّنْيَا نَفّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسّرَ الله عَلَيْهِ في الدّنْيا وَالآخرة، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ الله عَلَيْهِ في الدّنْيا وَالآخرة، وَالله في عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ". رواه أبو داود.
في هذا الحديث فضل إعانة المسلم وتفريج الكرب عنه وستر زلاته، ويدخل في كشف الكربة وتفريجها من أزالها بماله أو جاهه أو مساعدته، والظاهر أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته ورأيه ودلالته، وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفاً بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله، هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت، أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك ولا يحل تأخيرها، فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة، وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب جرحهم عند الحاجة، ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم وليس هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة وهذا مجمع عليه، قال العلماء في القسم الأول الذي يستر فيه هذا الستر مندوب فلو رفعه إلى السلطان ونحوه لم يأثم بالإجماع لكن هذا خلاف الأولى وقد يكون في بعض صوره ما هو مكروه والله أعلم.