fati مراقبة عامة
عدد المساهمات : 2531 تاريخ التسجيل : 13/12/2008 البلد : الجزائر
| موضوع: سيرة حياة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله الجمعة 2 أبريل 2010 - 12:58 | |
| ولدالشيخ محمد الغزالي أحمد السقا في 5 ذي الحجة سنة 1335هـجرية, الموافق 22من سبتمبر 1917 ميلادية, في قرية “نكلا العنب” التابعة لمحافظة البحيرةبمصر, وسمّاه والده بـ”محمد الغزالي” تيمنًا بالعالم الكبير أبو حامدالغزالي المتوفي في جمادى الاخرة 505 هـ .النشأة:نشأفي أسرة كريمة مؤمنة, وله خمس اخوة, فأتم حفظ القرآن بكتّاب القرية فيالعاشرة, ويقول الإمام محمد الغزالي عن نفسه وقتئذ: “كنت أتدرب على إجادةالحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي،وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسا في تلك الوحدة الموحشة”. والتحقبعد ذلك بمعهد الإسكندرية الديني الإبتدائي وظل بالمعهد حتى حصل منه علىشهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية, ثم إنتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة (1356هـ الموافق 1937م) والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر الشريف, وبدأت كتاباته في مجلة (الإخوان المسلمين) أثناء دراسته بالسنة الثالثةفي الكلية, بعد تعرفه على الإمام حسن البنّا مؤسس الجماعة, وظل الإماميشجعه على الكتابة حتى تخرّج بعد أربع سنوات في سنة (1360هـ = 1941م)وتخصص بعدها في الدعوة والإرشادحتى حصل على درجة العالمية سنة (1362هـ = 1943م) وعمره ست وعشرون سنة,وبدأت بعدها رحلته في الدعوة من خلال مساجد القاهرة, وقد تلقى الشيخ العلمعن الشيخ عبد العظيم الزرقاني, والشيخ محمود شلتوت, والشيخ محمد أبو زهرةوالدكتور محمد يوسف موسى وغيرهم من علماء الأزهر الشريف.مع الإمام البنا:يتحدث الشيخ الغزالي عن لقائه الأول بالإمام حسن البنا فيقول: ” كان ذلكأثناء دراستي الثانوية في المعهد بالإسكندرية، وكان من عادتي لزوم مسجد(عبد الرحمن بن هرمز) حيث أقوم بمذاكرة دروسي، وذات مساء نهض شاب لا أعرفهيلقي على الناس موعظة قصيرة شرحاً للحديث الشريف: (اتق الله حيثما كنت...وأتبع السيئة الحسنة تمحها.. وخالق الناس بخلق حسن) وكان حديثاً مؤثراًيصل إلى القلب.. ومنذ تلك الساعة توثقت علاقتي به.. واستمر عملي في ميدانالكفاح الإسلامي مع هذا الرجل العظيم إلى أن استشهد عام 1949م ” .وفي عام 1945 كتب الإمام حسن البنا إلى الشيخ محمد الغزالي يقول له :” أخي العزيز الشيخ محمد الغزالي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد، قرأتمقالك (الإخوان المسلمون والأحزاب) في العدد الأخير من مجلة (الأخوان)فطربت لعبارته الجزلة ومعانيه الدقيقة وأدبه العف الرصين. هكذا يجب أنتكتبوا أيها الأخوان المسلمون.. اكتب دائماً وروح القدس يؤيدك، والله معك،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ”ومن يومها أطلق الإمام حسن البنا على الشيخ الغزالي لقب ” أديب الدعوة ”.الشيخ محمد الغزالي الداعية الأديبرحل الشيخمحمد الغزالي ـ رحمه الله ـ إلى ربه فجأة، تاركاً وراءه رصيداً كبيراً منالكتب والمقالات والدراسات الفكرية، وتجربة غنية في مجال الدعوة إلى الله،في هذا القرن الذي شهدت فيه الأمة الإسلامية تحديات عظيمة، كان أعظمهاسقوط الخلافة الإسلامية، ثم هذا التردي الحضاري الذي يعيشه المسلمون اليومبعدما تركوا قيم الإسلام ومبادئه، ثم إنهم تركوا زمام المبادرة إلى أممأخرى لتصنع التاريخ، وتبني المدنيات وفق المناهج الوضعية، فكان أن هيمنتالفلسفات المادية، وسادت النظريات الغربية التي لا تعترف لله بسلطة أووجود، وقد ظل الشيخ الغزالي بما حباه الله من عمق في الفكر، وسعة فيالصدر، وبعد في النظر، يصارع تلك الفلسفات الغريبة، والأنظمة الملحدة،داعياً إلى تصحيح المنهج، وتقويم التصور، والعودة إلى ينابيع الإسلامالصافية.وظلالشيخ طوال خمسين سنة مرشداً للصحوة الإسلامية، ومدافعاً عن الإسلام فيمعاركه مع القوى المضادة، وظل يدعو إلى الفهم السليم في التعامل مع القرآنالكريم والسنة النبوية والتراث الإسلامي العريض، هذا مع الاستفادة منمعطيات العصر النافعة في مجال العلوم والتقنية الحديثة.وتركـ رحمه الله ـ مكتبة ضخمة من الكتب الفكرية، والدراسات الدعوية التي يجدفيها الناس والدعاة بشكل خاص الفائدة الفكرية، والمتعة الوجدانية، وذلكلما تميزت به هذه الكتب من فخامة في الأسلوب، وبراعة في الإنشاء، وجمال فيالتعبير.رصيد الداعية ولغة الخطاب:إن الحديثعن تجربة الشيخ الغزالي الواسعة في مجال الدعوة الإسلامية، وجهوده خلالفترة زمنية زادت على نصف قرن أمر قد تستوعبه أكثر من دراسة علمية متخصصة،وفي هذا المقال لن نسلط الضوء على هذا الجانب، بل سيكون الحديث حول جانبآخر برع فيه الشيخ وهو توظيف الأدب في خدمة الدعوة، سواء أكان ذلك في لغةالخطاب والمحادثة أم في مجال التعبير بالكتابة، وهو من الجوانب التي لايحسنها كثير من الدعاة، ذلك أن الدعوة الإسلامية هي كلمة تقال، وفكرةتثار، فإذا أحسن الداعية التعبير عنها مع وجود عناصر الإخلاص والصوابوالقدوة الحسنة آتت الدعوة أكلها بإذن الله تعالى، وأدت وظيفتها في مجالتغيير النفوس وبنائها.وإذا تحدثنا بإنصاف عن الشيخ فإننا سنجده قد وفقأيما توفيق في التعامل مع الكلمة وطرق أدائها، واختيار الوسائل الخطابيةالتي تناسب الناس في هذا العصر الذي تنوعت فيه الثقافات، وامتزجت فيهالأفكار، وأصبح التفاوت بين الناس واضحاً في جميع مستويات الحياة الفكريةوالثقافية، أذكر منذ فترة وأنا شاب ممتلئ بالحماسة الإسلامية كنت أتطلعإلى معرفة بعض الجوانب المشرقة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فوقع بينيدي كتاب للشيخ الغزالي اسمه “فقه السيرة” وبعد أن قرأت منه بعض الصفحاتشدني أسلوبه الأدبي الرائع وطريقة عرضه لحلقات السيرة الشريفة، فقد كانالأسلوب يجمع بين عمق الفكرة وجمال التعبير، وقد بدا واضحاً لي أن الشيخحريص على تقديم السيرة النبوية بأسلوب أدبي شائق يحقق الإقناع والإمتاع فيآن واحد، ذلك لاقتناعه التام بضرورة التجديد في أساليب الخطاب تلبيةلحاجات الناس وأذواقهم في هذا العصر. وعلى غرار فنه الأدبي الجميل فيالكتابة عُرف الشيخ بفصاحة اللسان، وبراعة الخطابة، وحسن الإلقاء، وأذكرفي هذا المقام تلك الدروس التي كان يقدمها في التلفاز الجزائري، وعُرفت«بحديث الإثنين»، فقد كان يتابعها آلاف الناس، حتى أولئك الذين لم يؤتواحظاً من الثقافة، وحين تسأل عن سر ذلك النجاح يقال لك: إنه سحر الكلمة،وصدق العاطفة، وجمال الأدب.الأدب في خدمة الدعوة:إن المتابعلكتابات الشيخ لابد أن يلحظ أن جلها مطبوع بالطابع الأدبي، وإن كانموضوعها هو الفكر والعقيدة والدعوة الإسلامية، ويتجلى هذا الطابع الأدبيفي جانبين:أولهما: توظيف النماذج الأدبية الراقية في خدمة الفكر الإسلامي.ثانيهما: اختيار الأسلوب الأدبي الجميل في التعبير والإنشاء.أماالجانب الأول فإن الشيخ كثيراً ما كان يوظف النماذج الأدبية الراقية، سواءأكانت شعراً أم نثراً، في خدمة فكرة يريد بثها، وغرسها في النفوس، فهويختار بحسه الأدبي ما يراه مناسباً من الموروث القديم، ومن الإنتاجالحديث، ويمزجه بالحقائق الدينية ويعرضه في وقته ومكانه المناسبين، ليلائمبه أذواق الناس ويلبي حاجتهم إلى القيمة الفكرية والمتعة الأدبية، وهويدرك بلاشك أن الأدب في هذا العصر أصبح بفنونه وأساليبه المختلفة يجذبقطاعاً عريضاً من الناس، وأصبح الذوق بشكل عام ميالاً إلى اكتساب المعرفةوالثقافة بطرق فيها يسر واقتصاد، وفيها ـ أيضاً ـ جاذبية وإمتاع.إنالخطاب الفكري والدعوي في حاجة ماسة إلى لغة تخاطب العقل والوجدان، لتدخلإلى النفوس من منافذها المختلفة، وتحقق غايتي الإقناع والإمتاع ـ سيراًعلى نهج القرآن الكريم وأسلوبه الفريد ـ ذلك أن الإبداع في اللغة حاجةيقتضيها كل عصر، وبخاصة في عصرنا الحالي الذي عرفنا فيه أنواعاً منالألوان الأدبية، والثقافات المتباينة، هذا بالإضافة إلى تلك التغييراتالتاريخية الجذرية، والأحداث الكبرى التي حدثت فيه، وأصبح هذا العصر كمايقول مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ كأنه النهر قرب شاطىء البحر، وقد بلغالمصب بعد أن تجمعت فيه جميع روافده من المياه التي انحدرت من أعاليالجبال في أقصى داخل البلاد.(2) ومع هذا الركام من الثقافات، والصراع بينالأفكار، والتفاوت بين المجتمعات، كان لابد من التجديد في الوسائل والطرقالدعوية التي من شأنها أن تكسب روح الجماعات، سواء أكانت إسلامية أم غيرإسلامية، واللغة هي أداة الفكر، وهي الوسيلة الأساسية المستخدمة في مجالاتالدعوة والإعلام، والتغيير والبناء، ولأهميتها الكبيرة حرص الشيخ فيالجانب الثاني على اختيار اللغة الجميلة، والأسلوب الأدبي اللطيف فيالكتابة والتعبير.حين كتب الشيخ كتابه «عقيدة المسلم» دعا إلى عرضالعقيدة الإسلامية بأسلوب يجمع بين فخامة اللغة وجمالها، ودقة المعنىووضوحه لتميل إليها النفوس، وتعلق بها القلوب، وقد حرص على تطبيق هذهالدعوة في كتابه هذا مخالفاً بذلك كثيراً من العلماء قديماً وحديثاً، ممنكانوا يعرضون العقيدة في قوالب جامدة، وأساليب عقيمة، بل كثيراً ما كانوايقحمون خلافات أهل الكلام، واختلافات أهل الجدل حول مسائل العقيدة فيكتبهم، فكيف يكون حال متلقي العقيدة من هذا كله؟ إنه مثل الصياد الجائعالذي يقضي نهاره في اللهث وراء الأسماك السابحة في النهر، وفي آخر النهاريذهب بخفي حنين.يقول في هذا ـ رحمه الله ـ: «إذا كان علم التوحيد علىالنحو الذي وصفنا (3)، فإن كتبه التي تشيع بيننا الآن فشلت في أداءرسالتها شكلاً ومضموناً، فمن ناحية الشكل لا معنى ألبتة لعرض علم ما فيتوزيع مضطرب بين متن وشرح وحاشية وتقرير، وفي لغة ركيكة، سقيمة الأداء،لغة تصور سقوط البلاغة العربية في عهد الحكم التركي».(4)ثم يتحدث عنأهمية الأدب في هذا العصر، وعن وظيفته المفقودة عندنا حين نحاول عرضالعقيدة وتقديمها للناس، في حين تجد أصحاب العقائد المنحرفة يعرضونها فيأجمل صورة، يقول: «تطور الأدب في عصرنا هذا لا ينكر، وقد بلغ من تمكنالمؤلفين والمتأدبين في اللغة أن تناولوا الموضوعات التافهة فأخرجوها فيألبسة زاهية، ووجهوا ألوف القراء ـ بسحر بيانهم ـ إلى ما يريدون، فهل يبقىالكلام في العقائد حكراً على هذا النمط من الحواشي والمتون».(5)لقدكان الهم الذي يراود الشيخ هو الوصول بالفكر الإسلامي إلى شغاف القلوب،وأداء واجب الدعوة إلى الله بالمنهج الذي حدده القرآن الكريم في قولهتعالى: {ادعُ إلى سبيل رَبّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هيأحسن} (سورة النحل الآية 125) وبالسبيل الذي حدده الرسول صلى الله عليهوسلم وسار عليه في حياته «إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة» (حديثصحيح رواه الإمام مالك في الموطأ)، وأن من يتعامل مع كتابات الشيخ سيجدتأثراً كبيراً بمصدري الإسلام: القرآن والسنة النبوية، وبروائع الكلام فيتراثنا الإسلامي الكبير، وهذا ما أكسب أسلوبه جمالاً في العرض، وبراعة فيالتمثيل، ولطافة في التعبير، انظر إليه وهو يدافع عن قضية التنويع فيأساليب القرآن الكريم ـ وقد عدها بعض المستشرقين عيباً ونقصاً فيه ـوالمقام هنا مقام استدلال ومحاجة، يقول: «إن القرآن لوّن حديثه للسامعينتلوينا يمزج بين إيقاظ العقل والضمير معاً، ثم تابع سوقه متابعة إن أفلتالمرء منها أولاً لم يفلت آخراً، كما يصاب الهدف حتماً على دقة المرمى،وموالاة التصويب، وذلك هو تصريف الأمثال للناس، إنه إحاطة الإنسان بسلسلةمن المغريات المنوعة، لا معدى له من الركون إلى إحداها، أو معالجة القلوببمفاتيح شتى لابد أن يستسلم القفل عند واحد منها».(6)الدعوة إلى الأدب الإسلامي:عُرف الشيخفي حياته الدعوية الحافلة بعاطفة جياشة، وحماسة فياضة تجاه المشكلات التيتهم المسلمين، ومع أن أمر الدعوة قد أخذ منه جل وقته وجهده، ذلك لعظمالتحديات الحضارية التي واجهت الأمة الإسلامية في هذا العصر، والعملالإسلامي في حاجة ماسة إلى جهود العلماء المهيئين نفسياً وعلمياً للدفاععن الفكر الإسلامي، ينفون عنه تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريفالغالين، ومع هذا العبء الكبير في الدعوة، عُرف عن الشيخ اهتمامه بقضاياأخرى منها قضايا الأدب، فقد كان إنساناً يتذوق الشعر، يحفظ قديمه، ويتابعجديده، وكثيراً ما كان يعكس هذا الذوق في كتاباته الدعوية المختلفة.وحينكتب كتابه القيم «مشكلات في طريق الحياة الإسلامية»(7) تناول واقع الأدبضمن المشكلات التي تعيق سبيل استئناف الحياة الإسلامية، ومن خلال عرضهالمتميز لهذه القضية نستشف أنه يدعو إلى أمرين، أولهما: الدعوة إلى الأدبالإسلامي الحي الذي يدافع عن أمجاد الإسلام، المنبعث من قيم الإسلامومبادئه.ثانيهما: الدعوة إلى رفض الأدب المنحرف بأشكاله كلها، ذلك أنه غاية يهدف إليها الاستعمار الثقافي، ودعاة الحداثة والتغريب.يقولفي سياق حديثه عن جوانب النهضة الأدبية أيام «أحمد شوقي» و«حافظ إبراهيم»و«الرافعي» وغيرهم: «إن هذه النهضة الأدبية المباركة كانت تبنى على المهادالأول، وتصل من أمجاد المسلمين ما أضاعه التفريط والغدر، وظاهر أنمحافظتها على التراث، وتقديسها للقيم الدينية، وولاءها العميق للغةالعربية، أن ذلك كله ثابت لا يتزحزح.. لكن الاستعمار الثقافي لم ييأس،وعداوته للغة القرآن لم تفتر، إنه يريد القضاء على الإسلام، وأيسر السبلإلى ذلك القضاء على العربية وقواعدها وآدابها، وأظنه اليوم قد بلغ بعض مايشتهي، فقد اختفى الأدب العربي الأصيل، وإذا وجدت كتابات بالحروف العربيةفإنها وعاء لمعان مبتوتة الصلة بأصولنا الروحية والفكرية».(إن الشيخيربط ـ كما هو ملاحظ ـ بين النهضة الأدبية المباركة التي شهدها القرنالماضي وبداية هذا القرن، وبين المحافظة على قيم الإسلام وتراثه الزاخر،حيث كان الأدب في مجمله محافظـاً على إسلاميته وجذوره الدينية، وبرر فشلالاستعمار الثقافي في محاولته تجفيف الروح الدينية في ميادين الأدب إلىتمسك أولئك الأدباء بأصولهم الدينية، ومنطلقاتهم الإسلامية، ولم ينجحالاستعمار الثقافي في غايته إلا حينما جّرد الأدب من روحه الإسلامي، فأصبحأدباً لا أصل له، وغدا أدباً منحرفاً غريبا عن الثقافة الإسلامية، وهذا ماحفز الشيخ إلى الدعوة إلى رفضه فقال: «إذا كان الأدب مرآة أمة، ودقاتقلبها، فإن المتفرس في أدب هذه الأيام العجاف لا يرى فيها ألبتة ملامحالإسلام ولا العروبة ولا أشواق أمة تكافح عن رسالتها، وسياستها القومية،وثقافتها الذاتية، ما الذي يراه في صحائف هذا الأدب، لا شيء إلا انعدامالأصل وانعدام الهدف، والتسول من شتى الموائد الأجنبية، وحيرة اللقيط الذيلا أبوة له».إن الأدب المنحرف في أيامنا هذه هو فعلاً مثل اللقيط الذيلا أبوة له، بالإضافة إلى ذلك هو كالشجرة الخبيثة التي قد تغري الناسبأوراقها الزاهية، ولكن طعمها كالعلقم، وأثرها في الأرض وإن فشا سينعدم،{ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار} (سورةإبراهيم، الآية 26).دفاع عن العربية:يُعد الشيخمن أبرز الدعاة المنافحين عن اللغة العربية في هذا العصر، فقد كان دائماًيصيح بحرقة: «اللغة العربية في خطر، أدركوها قبل فوات الأوان».(9)والخطرالذي يهدد اللغة العربية هو النتيجة الحتمية لتقاعس العرب عن أداء واجبهمتجاه لغتهم، وتنفيذهم لخطة الاستعمار الثقافي الساعية إلى إلغاء دورهاالحضاري والفكري والثقافي، والقضاء على أداة التواصل بين الحاضر والماضي،الأداة الجامعة لهذا الشتات المتقطع للعاميات في الوطن العربي.ويرى الشيخ أن اللغة العربية تهان الآن بوسائل مختلفة:أولاً:بالروايات التمثيلية التي تحكي عبارات السوقة، والطبقات الجاهلة، فتحييألفاظاً كان يجب أن تموت مكانها، وتؤدي إلى سيادة اللهجات العامية بدلسيادة اللغة الجامعة، هذا إذا علمنا مدى الطاقات المادية والبشرية التيتهدر من أجل انتشار هذا النوع من الأدب العامي.ثانيا: بالحديث عن منهم أهلٌ للقدوة من الزعماء وغيرهم الذين يحلو لهم أن يتحدثوا بلغة تجمعبين الفصحى والعامية، ونحن ندرك جميعاً مدى التأثير السلبي الذي يعود علىالمخاطبين عند سماعهم لهذه اللغة المضطربة، ومن البديهيات أن زعماء الدولالمتحضرة اليوم من أحرص الناس علي مخاطبة الجماهير بلغة راقية تجلبالاحترام، ويرى الشيخ أن دعاة العروبة في هذا العصر هم من أعجز الناس عنالحديث باللغة العربية.(10)ثالثاً: وتهان العربية عند بعض أبناءالمسلمين الذين يريدون الانقطاع عن الثقافة الإسلامية، ويرون أن الحضارةهي في تقليد الغربيين والحديث بلغتهم، والنظر إلى العربية على أنها لغةمتخلفة لا تساير العصر.رابعاً: وتهان أيضاً في مجال الأدب، حيث اختفىالأدب العربي الأصيل، وإذا وجدت كتابات بالحروف العربية فإنها وعاء لمعانمبتوتة الصلة بأصولنا الروحية والدينية.(11)ونشير إلى أن الشيخ قداقترح عدة مقترحات عملية لخدمة اللغة العربية في مجالات النحو والمعجم،ولكنها إلى الآن لم تجد آذانا صاغية (12)مواقف نقدية من الشعر المرسل:ذكرت فيماسبق أن الشيخ كان يتذوق الشعر ويحفظه، ويستشهد به في كلامه وفي كتاباتهوفي مواقفه المختلفة، ومع أنه كان مولعاً بالشعر القديم ـ وبخاصة شعرالمتنبي ـ إلا أنه كان يحفظ أيضاً الشعر الحديث ـ وبخاصة شعر أحمد شوقي ـوكان يتابع كل جديد ينشر في مجال الأدب والشعر ويقرأ للمعاصرين له، ولكنهكان يمقت الشعر المرسل وما يسمى بقصيدة النثر، وكان يرى فيه ميداناًيتبارى فيه كل عاجز، وقد برر موقفه النقدي هذا بقوله: «قد ظل العرب أقل منعشرين قرناً يصوغون شعرهم حسب البحور المأثورة عنهم، حتى جاء هذا العصرالأنكد بما يسمى: الشعر المرسل، محاكاة للشعر الأوربي كما يقولون..وأكرهتني الأيام على سماع هذا اللغو من بعض الإذاعات أو قراءته في بعضالمجلات فماذا وجدت؟ تقطعا عقلياً في الفكرة المعروضة كأنها أضغاث أحلام،أو خيالات سكران.. ثم يصب هذا الهذيان في ألفاظ يختلط هزلها وجدها،وقريبها وغريبها، وتراكيب يقيدها السجع حينا، وتهرب من قيوده أحياناً، ثميوصف المشرف على هذا المخلوط الكيماوي المشوش بأنه شاعر!!».(13)وقالفي موضع آخر: «قد راقبت إنتاج ذوي الأسماء اللامعة في هذا الميدانالمبتدع، فوجدت السمة الغالبة على هذا اللغو المسمى شعراً لا تتخلف أبداً،التفكير المشوش أو اللا تفكير، والتعبير الذي يجمع الألفاظ بالإكراه منهنا ومن هنا، ويحاول وضعها في أماكنها، وتحاول هي الفرار من هذه الأماكن..والسؤال الذي يتردد باستمرار:لماذا أيها القوم تسمون أنفسكم شعراء إذاكنتم لا تحسنون قرض الشعر وبناء القصيد، لماذا لا تحاولون أن تكونواناثرين بعد استكمال القدرة العقلية واللغوية».(14)إن هذا الموقفالنقدي الذي قد يبدو متطرفاً أو مجانبا للواقع، له مسوغاته العقليةوالواقعية، فكثير من هذا الشعر مطبوع بطابع الغلو في الرمز الذي يؤدي إلىالغموض الممقوت في الشعر، كما أن أغلبه يفتقد إلى الموسيقى والإيقاعاللذين هما من أبرز خصائص الفن الشعري، ولعل خروج هذا النوع من الشعر علىالشكل القديم، وتفلته من قيود الوزن هو الذي أغرى الناس ـ وبخاصة أهلالتطفل على الفن ـ بقرضه والإكثار منه والدعوة إليه.ومع التقديروالاحترام اللذين نكنهما لوجهة نظر شيخنا هذه ، وذلك لعلمنا بحبه لصدقالكلمة وبراءتها والتزامها، إلا أنه ومن باب الإنصاف في النقد القول بأنالشعر المرسل ليس كله على هذا الشكل المذموم، والمعنى الغامض، فبعضه يصدرعن شعراء قادرين على قرض الشعر، وتجتمع في شعرهم خصائص الشعر كلها، منمعان عميقة، وألفاظ موحية، ونظم بديع، بالإضافة إلى الموسيقى والإيقاعاللذين لا غنى عنهما في الشعر.إن التجديد في مجال الشعر أصبح حقيقةفرضت نفسها في هذا العصر، سواء أكان التجديد في الأشكال أم في المضامين،وأصبح الذوق الأدبي عند كثير من الناس يستجيب لهذا الشعر المحدث، ولكن معوجود التطفل على الفن الذي أدى إلى اختلاط الغث بالسمين، ووجود الحداثيينـ من أمثال «أدونيس» وغيره ـ الذين يروجون لقصيدة النثر في صورتها المعقدةوالغامضة حتى أصبحت كأنها أضغاث أحلام أو خيالات سكران ـ كما وصفها الشيخـ ومع وجود مدارس نقدية تهتم بهذا الشعر وتسلط الضوء عليه، مع وجود هذاكله، أصبحت الحاجة داعية إلى تقويم هذا السبيل، والدعوة إلى الشعر الذييحمل رسالة الحق والخير والجمال، الشعر الذي يضيف إلى رصيدنا الثقافيوالفكري شيئا له قيمة في الحياة.خصائص أسلوبية متميزة:هذهوقفة سريعة للنظر في بعض خصائص الأسلوب عند الشيخ ـ رحمه الله ـ التي ميزتطريقته في التعبير عن قضايا الفكر الإسلامي المختلفة، وجعلت كتاباته لهامذاق خاص، وطابع فريد بين كتابات الدعاة في هذا العصر.إن مما تنبغيالإشارة إليه أن الشيخ متأثر تأثراً كبيراً بأسلوب القرآن الكريم، فقد كانيتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وكان يتحرى دائماً طرقه في دعوة الناس،ولقد كان ذلك سر جمال أسلوبه، ولطافة تعبيره.(15)ومن الخصائص الأساسية المميزة لأسلوبه ما يلي:أولاً:الأسلوب الأدبي هو الأسلوب المفضل في كتابات الشيخ، فهو يفضل عرض الأفكاربلغة أدبية مؤثرة، فيها عناصر الإقناع والإمتاع، ويسير على هذه الطريقة فيجل ما يكتب، ولا يستخدم الطريقة السردية المباشرة إلا نادراً، وذلك لشدعقول القراء وقلوبهم إلى الأفكار التي ينوي غرسها في النفوس.ثانياً:يتميز أسلوبه بكثرة استخدام الصور الفنية، والأمثال المحسوسة، ذلك لتقريبالأفكار إلى النفوس، وعرضها في قوالب حية قريبة التناول، وواضح أن الشيخقد استمد هذه الطريقة من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية الشريفة.ثالثاً:يمتاز أسلوبه أيضاً بالتنويع المشوق، فهو يلون حديثه ويكثر من الأساليبالتي لها قدرة على التأثير كالاستفهام والتوكيد والتعجب، ويستخدم القصةاستخداماً جيداً، وكثيراً ما يتمثل بحوادث من الواقع، لتكون أبلغ فيالتأثير، وأكثر التصاقاً بالقضايا المثارة في هذا العصر.وبعد: فإنالشيخ «محمد الغزالي» ـ رحمه الله ـ مثال (نادر) للداعية المتخصص في هذاالعصر، فقد جمع بين العلوم الشرعية والعلوم العصرية، واجتهد في تقديمالدعوة إلى الناس بلغة في الخطاب ممتعة، مما أكسبه احترام الناس، وبحقيمكن القول: إنه مثال فريد للداعية الذي وضع الأدب في خدمة الدعوة.المصدر: مجلة الأدب الإسلامي 18/08/2003 | |
|
فارس بلا جواد عضو نشط
عدد المساهمات : 223 تاريخ التسجيل : 11/12/2009 البلد : القصراوي
| موضوع: رد: سيرة حياة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله الجمعة 2 أبريل 2010 - 14:05 | |
| رحمه الله برحمته وغفر له واسكنه الجنان | |
|