عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الرّجُلَ لَيَعْمَلُ الزّمَنَ الطّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنّةِ، ثُمّ يُخْتَمُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ. وَإِنّ الرّجُلَ لَيَعْمَلُ الزّمَنَ الطّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ، ثُمّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنّةِ". رواه مسلم.
يدل هذا الحديث على أن الأعمال بالخواتيم فقد يبتدئ الرجل بالصلاة وغيرها بنية خالصة ثم تعرض له آفة تمنع صحة عمله أو تبطل أجره من نحو عُجب أو رياء أو عزم على تركه، فإن لم تعرض له آفة قبل تمامه أو عَرَضت له وَرَدَّها بالعلم وختم بما بدأ استحكم عمله باستدراكه ما فرط في أثناء العمل بإخلاص خاتمته. قال ابن بطال: في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة وتدبير لطيف لأنه لو علم وكان ناجياً أعجب وكسل وإن كان هالكاً زاد عتواً فحجب عنه ذلك ليكون بين خوف ورجاء. ولقد اشتد خوف السلف من النفاق، قال بعضهم: لو أعلم أنى بريء من النفاق، كان أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس. ولم يريدوا بذلك نفاق العقائد، إنما أرادوا نفاق الأعمال، كما ورد فى الحديث الصحيح: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". ولما حضرت سفيان الثوري الوفاة، جعل يبكي، فقال له رجل: يا أبا عبد الله: أراك كثير الذنوب، فرفع شيئاً من الأرض وقال: والله لذنوبي أهون عندي من هذا، ولكن أخاف أن أُسلب الإيمان قبل الموت. وكان سهل رحمه الله تعالى يقول: المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر. فإذا كان هذا خوف العارفين من سوء الخاتمة مع رسوخ أقدامهم، فكيف لا يخاف ذلك الضعفاء؟! ولسوء الخاتمة أسباب تتقدم على الموت، مثل: البدعة، والنفاق، والكبر، ونحو ذلك من الصفات المذمومة التي لا يمكن انحصارها على التفصيل، لكن يمكن الإشارة إلى مجامع ذلك. أما الختم على الشك والجحود، فسببه البدعة، ومعناها أن يعتقد في ذات الله تعالى، أو صفاته، أو أفعاله خلاف الحق، إما تقليداً، أو برأيه الفاسد، فإذا انكشف الغطاء عند الموت، بان له بطلان ما اعتقده، فيظن أن جميع ما اعتقده هكذا لا أصل له. ومن اعتقد في الله سبحانه وصفاته اعتقاداً مجملاً على طريق السلف من غير بحث ولا تنقر، فهو بمعزل عن هذا الخطر إن شاء الله تعالى. وأما الختم على المعاصي، فسببه ضعف الإيمان في الأصل، وذلك يورث الانهماك في المعاصي، والمعاصي مطفئة لنور الإيمان، وإذا ضعف الإيمان ضعف حب الله تعالى، فإذا جاءت سكرات الموت، ازداد ذلك ضعفا، لاستشعاره فراق الدنيا، فإن السبب الذي يفضي إلى مثل هذا الخاتمة، وهو حب الدنيا، والركون إليها، مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب الله، فمن وجد في قلبه حب الله تعالى أغلب من حب الدنيا، فهو أبعد من هذا الخطر، وكل من مات على محبة الله تعالى قدم به قدوم العبد المحسن المشتاق إلى مولاه، فلا يخفى ما يلقاه من الفرح والسرور بمجرد القدوم، فضلاً عما يستحقه من الإكرام. وسوء الخاتمة على رتبتين: إحداهما أعظم، وهو أن يغلب على القلب والعياذ بالله شك، أو جحود عند سكرات الموت وأهواله، فيقتضي ذلك العذاب الدائم. والثانية دونها، وهى أن يسخط الأقدار، ويتكلم بالاعتراض، أو يجور في وصيته، أو يموت مصرًّا على ذنب من الذنوب. وقد روي أن الشيطان لا يكون في حال أشد على ابن آدم من حال الموت، يقول لأعوانه: دونكم هذا، فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه. وقد روي عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم، أنه كان يدعو: "اللهم إنى أعوذ بك أن يتخبطنى الشيطان عند الموت". فمن أراد طريق السلامة، فليبعد نفسه عن أسباب الهلاك. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.