عن أبي هُرَيرَةَ
قال: (سُئلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم عن أكثرِ ما
يُدخلُ النَّاسَ الجنَّةَ قال: تَقوى اللهِ وحُسنُ الخُلقِ وسُئلِ عن
أكثرِ ما يُدخل النَّاسَ النَّارَ، قال: الفَمُ والفَرْجُ) . أخرجه
الترمذي.
يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في كلمات موجزة أكثر الأشياء التي تدخل
صاحبها الجنة, وأكثر الأشياء التي تدخل صاحبها النار، فأكثر ما يدخل الناس
الجنة: (تقوى الله وحسن الخلق) .
والتقوى هي مجانبة كل ما يبعد عن الله عز وجل، وهي كما وصفها علي رضي الله
عنه: (الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل والرضا
بالقليل).
والمتقون وعدهم الله عز وجل بالنجاة من الشدائد وبالرزق الحلال فقال: {إن
الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} ووعدهم بإصلاح العمل وغفران الذنوب
فقال: {اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم}،
ووعدهم بالنصر والتأييد فقال: {إن الله مع الذي اتقوا والذين هم محسنون}.
والمتقون هم: (أهل الفضائل، منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم
التواضع، غَضّوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم
النافع لهم، لا يرضون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم
لأنفسهم متهِمون ومن أعمالهم مشفقون).
أما حسن الخلق: فهو اختيار الفضائل وترك الرذائل وذلك لأن حسن الخلق يحمل
على التنزه عن الذنوب والعيوب والتحلي بمكارم الأخلاق من الصدق في المقال
والتلطف في الأحوال والأفعال وحسن المعاملة مع الرحمن والعشرة مع الإخوان
وطلاقة الوجه وصلة الرحم والسخاء والشجاعة وغير ذلك من الكمالات. وحسن
الخلق يبلغ بصاحبه درجة الساجد القائم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن
أصحاب الخلق الحسنة: (إن من أحبكم إليَّ أحسنكم أخلاقاً) أي أكثركم حسن
خلق.
أما أكثر ما يدخل الناس بسببه فالفم والفرج، فالفم محل كثير من الآفات
كالغيبة والنميمة والكذب وقول الزور والسب واللعن ...إلخ.
وأما شهوة الفرج فاعلم أنها سلطت على الآدمي لفائدتين: إحداهما: بقاء
النسل، والثانية ليدرج لذة يقيس عليها لذات الآخرة، فإن ما لم يدرك جنسه
بالذوق، لا يعظم إليه الشوق، إلا أنه إذ لم تردّ هذه الشهوة إلى الاعتدال،
جلبت آفات كثيرة، ومحناً، ولولا ذلك ما كان النساء حبائل الشيطان. وفي
الحديث أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ما تركت في الناس
بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء". وعن النبى صلى الله عليه وآله
وسلم قال: " لا يخلو رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان".
وقد ينتهي الإفراط في هذه الشهوة، حتى تصرف همة الرجل إلى كثرة التمتع
بالنساء فيشغله عن ذكر الآخرة، وربما آل إلى الفواحش، وقد تنتهي بصاحبها
إلى العشق، وهو أقبح الشهوات، وأجدرها أن تستحيي منه، وقد يقع عند كثير من
الناس عشق المال، والجاه، واللعب بالنرد، والشطرنج، والطنبور، ونحو ذلك،
فتستولي هذه الأشياء على القلوب فلا يصبرون عنها. ويسهل الاحتراز عن ذلك
في بدايات الأمور، فإن آخرها يفتقر إلى علاج شديد، وقد لا ينجح، نسأل الله
تعالى السلامة والعافية.